ليست أمنية.. الثغرة فكرية!
تكاد مشكلة الإرهاب تكون إلى جانب دوافعها السياسية والمتمثلة في الانحياز الأمريكي الكامل إلى جانب إسرائيل ودعمها اللامحدود لها في حرب الإبادة المنظمة التي تشنها على الشعب الفلسطيني، مشكلة ثقافية وفكرية في المقام الأول.
وليس مثلما يظن كثير من الناس أن هذه الأعمال الإرهابية الشنيعة دليل ثغرة أمنية استطاع أن ينفذ من خلالها منفذوها ليتركوا هذه البصمة القميئة في وجه حياتنا اليومية، إنما هي دليل على ثغرة فكرية وثقافية استطاع أن ينفذ منها بعض ذوي الفكر المتطرف الهدام إلى عقول شبابنا، ليغرسوا فيها جذور أفكار سامة تنتمي إلى فضاء ثقافي يقوم على الكراهية والعنف ونفي الآخر - وجودا ورأيا – وإبادته وتصفيته جسدا وفكرا.
علما بأن الله تعالى خاطب نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم – قائلا: { فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر}، ودعاه تعالى إلى مجادلة المشركين والكفار بالتي هي أحسن.
وقال سبحانه وتعالى مذكرا نبيه بجدوى هذا المنهج: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
الآن حين يأتي من يدعي الإيمان والتقوى والصلاح ويزرع في عقول هؤلاء الشباب أن الله تعالى يبارك قتل الأبرياء مسلمين وغير مسلمين، وترويع الآمنين في البلد الأمين، وأن المنهج الإسلامي يقوم على تكفير المسلم إذا اختلف في الرأي والاجتهاد معك ومن ثم الحكم بردته وقتله امتثالا لأوامر الخالق وإنفاذا لأحكام الشرع الإسلامي الحنيف، فإن ثقافة مناقضة لديننا الحنيف تلقي بظلالها السوداء على عقول شبابنا ليحيل حياتنا إلى لحظات من الانتظار القلق الهلع لهذا السيف من الترويع الذي أراد بعض المنحرفين والمرضى أن يظل مسلطا على رؤوسنا .. ولكن إلى متى؟
أعلم يقينا ويعلم غيري، ويعلم أولئك الذين يقفون خلف هؤلاء الشباب ويتدرعون ويتمترسون خلفهم إلى أي مدى سيظل تأثير هذا الفعل الخائب اليائس محدودا، شأنه شأن أي فعل يائس، سيحدث خدوشا في سطح حياة المستهدفين به، ولكنه – وهذا بحساب بديهي بسيط – سيرتد على فاعليه، وعلى القوى التي تدفعهم بـشكل مضاعف.
لقد سقط برجا التجارة ولكن ظلت نيويورك قائمة، ولكن ما هو ثمن سقوط برجي التجارة؟ لقد زالت دولة حكومة طالبان برمتها واختفى رأسها الملا محمد عمر تحت الأرض بعد أن كان على سطحها يملي إرادته، وطوردت قيادات تنظيم القاعدة، واعتقلت وقتلت أغلبيتها واختفى الباقون.